د.رياض الفرج يكتب:انا..وقلمي…”خاطرة”

اليوم الثامن
أنا وقلمي
يطاوعني قلمي ….. يعاندني قلمي …. يعاتبني قلمي …. آه يا قلمي فحكايتي معك لا تخرج عن حالاتها الثلاثة : المطاوعة ، المعاندة ، المعاتبة ، ولكل حالة منها وقفة معك ، فأنت تطاوعني حين أكتب في الدعوة إلى الخير والفضيلة وصلاح المجتمع ، وحين أدعو إلى بناء الإنسان وفق منظومة القيم ليتميَز بها عن غيره ممن لا يقيم وزنا لغير الماديات والمصالح ، وأنت تطاوعني حين أدعو إلى الكتابة عن قيمة الوطن وكيفية تضافر جهود مواطنيه ومشاركتهم في جعله قرة عين لكل ساكنيه ومحبيه وزواره ، وجعل المواطنة الصالحة أساس التفاضل بين مواطنيه ، ويطاوعني قلمي حين أدعوه إلى الكتابة عن فضيلة العلم التي ترفع المجتمعات والأمم ، ويطاوعني حين أشكو حال مجتمعاتنا العربية وما تعانيه من فساد واستبداد ، وما فيها من ظلم وفتن وآهات وأحزان .
ويعاندني قلمي ويحَرنُ كما تحَرن الدًابة حين يطلب صاحبها منها المسير ، ويبخل عليً بمداده كحال سنة قلً الماء والغيث فيها ، أو كحال من ثقل عليه حمله فلم يستطع السير به ، ويعاندني حين أحاول أن أتجاوز مبادئي التي نشئت ودرجت وتعودت عليها فيما مضي من سِنيِ عمري ، فيتوقف لساني وقلمي عندها ، أنه يعاندني حين أفكر في الكتابة بطريقة المدح والثناء لمن لا يستحقون والمدح والثناء فلست مداحاً لأحد ، ولا أعمل لحساب أحد ، فأنا وقلمي نكره النفاق والكذب والرياء ، كما نكره المجاملات الفارغة التي لا قيمة لها في واقع الحياة ، ويعاندني قلمي في الكتابة فيما يفرق ولا يجمع ، وفيما لا يعود بالنفع والفائدة على الفرد والجماعة في مجتمعي ، ويعاندني قلمي في الكتابة ولو سطراً واحداً عن الخلاف والاختلاف ، وعن الفرقة وعدم الوحدة بين أبناء المجتمع فتلك فطرة فطرت عليها ، ويكره قلمي أي كتابة عن الفتنة وما يقرب إليها تلميحاً أو تصريحاً ، ويعاندني قلمي أن أكون من أصحاب الهوى أو ممن يكتبون بحثا عن الشهرة ، أو ممن يجعلون أقلامهم وسيلة لمعاش أو كسب زائل .
ويعاتبني قلمي كثيرا قائلاً: لماذا تهجرني رغم شوقي إلى حرية الكلمة والفكرة؟ فقد وهبك الله نعمة الكلمة والفكرة، فلا تبخل بهما على غيرك، وقد حباك الله قلماً يحب أن يصدع بالحق، فلا تٌقيًد قلمك بقيد الحبس في أعماق نفسك ، ويعاتبني قلمي طالباً مني أن أبوح بمكنوناتي صدري من العاطفة والمودة لكل صادق ومخلص وغيور من أبناء أمتي ، ويعاتبني قائلاً : لِما تكتم حديث النفس عن تجربتك في الحياة ، عن علاقتك بالناس ، عن النظرة إلى الناس ، عن تقييمك لواقع العلاقات بين الناس التي تبنى على المصالح بعيدا عن عالم القيم والآداب ، يعاتبني قلمي قائلاً : الكتابة نعمة يجب توظيفها في الخير في زمن الكلمة الرخيصة ، فإن رأيتم خروجي عن حالاتي الثلاثة : المطاوعة ، المعاندة ، المعاتبة ، فذكروني للمراجعة .
د . رياض الشديفات/ 16/7/2019م