مقالات وتحقيقات

رياض الفرج يكتب:الإدارة والمداراة في…. الحياة المعاصرة

اليوم الثامن

الإدارة والمداراة في الحياة المعاصرة


الإدارة والمداراة مفهومان بينهما خيط رفيع يشبه شعرة معاوية ، والحياة تتطلب كل منهما حسب طبيعة الموقف ، ولهما علاقة بحسن التصرف في المواقف المختلفة ، ويدخلان في كل مناحي الحياة ، فالسياسة تتطلب الإدارة الرشيدة كما تتطلب المداراة في بعض مواقفها تبعاً لطبيعة الموقف ونوعيته من حيث الشدة والليونة لأن ذلك يعني حسن تدبير الأمر والنظر في عواقبه ، وهما بهذا المعنى يتعلقان بحسن القيام بتصريف شؤون المجتمع بصورة تضمن سلامة عاقبة التدبير والإدارة ، والمداراة نوعاً من الملاطفة والملاينة والرفق في التعامل درءً للشر أو جلباً للخير ممن يتم التعامل معه ، وطبيعة الحياة بصورة عامة تتطلب ذلك كله وتدخل في جملة الإدارة وطريقة التعامل .


ومن ينظر في الحياة بنظر المتعمق فيها يلحظ أن الإدارة والمداراة تدخلان في كل جوانب الحياة في السياسة والاقتصاد ، وتدخلان في التربية والعلاقات الاجتماعية ، وفي الشؤون الأسرية ، وفي العلاقات الدولية ، وفي الروابط المختلفة التي تتطلبها الحياة ، ولهما صلة بفهم الحياة فمن أبصر العواقب سلم ، ومن كان صلباً كسر ، ومن كان ليناً ضاعت هيبته ، ووضع الشدة موضع اللين مفسدة ، ووضع اللين موضع الشدة مضيعة للحزم وقوة العزيمة ، وقد كنت كتبت مقالاً بعنوان ” المداراة والمراءاة ” والفرق بين المقالين أن الأول يتناول سلوكاً اجتماعيا مرفوضا وهو سلوك ” المراءاة ” لما فيه من النفاق وحب الظهور على حساب الصراحة والصدق والمصلحة العامة ، بينما هذا المقام يتناول واقع شبكة العلاقات بين الناس وكيفية فهمها بطريقة تجلب النفع وتدفع الضرر .


ولعل من الحكمة الإشارة هنا إلى أن فهم الحياة المعاصرة وتعدد الموجهات التربوية ، وكثرة المؤثرات الإعلامية ، وتداخل المصالح تجعل من الحكمة أن يكون التعامل على أساس الإدارة والمداراة ، فالدولة تداري غيرها من الدول في عالم الفضاء المفتوح ، وتداري في إدارة شؤونها الداخلية ، ورجل الإعلام يحتاج إلى المداراة في إيصال رسالته ، والمعلم يداري طلابه باللين والرفق والملاطفة ليتمكن من القيام بواجبه التربوي والأخلاقي في زمن كثرة المشوشات والمعيقات للتربية والتعليم ، والزوج يداري في معاملة زوجته وتحقيق مطالبها في زمن التنافس على الكماليات ومتطلبات الحياة ، والمقارنات بين مقتنيات البيوت ، ودعايات الإعلام ، والأبوان يُداريان ويديران شؤون الأسرة على طريقة ” غمض عين وفتح عين ” و ” دقه على الحافر ودقه على المسمار ” في ظل فوضى التربية والتوجيه ، وفي ظل تعدد مغريات الحياة وملهياتها ، وكأني بكل فرد في الحياة المعاصر مطلوب منه أن يتقن مهارة الإدارة مع مهارة المداراة لئلا يكون خارج الزمن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى