مقالات وتحقيقات

عادل السيد موسى يكتب : الريف… المتمدين

اليوم الثامن

الحياة الريفية هى حياة ذات طابع خاص يغلب عليه
البساطة في كل شيء وله من العادات والتقاليد مايميزه
عن غيره من الأماكن الأخرى .
ولعلك تلحظ أمراً هام جدا هنا ألا وهو أن ذلك كان قديماً
قبل أن تدخل عليه المتغيرات التي أفقدته
هذا الطابع الخاص.
فمن هذه المتغيرات على سبيل المثال لا الحصر (المبالغة) التي أصبحت سمة أساسية في كل شيء.
فمثلاً بعد أن كانت بيوتات الريف بالطين أو ما يعرف
بالطوب اللبن أصبحنا نرى بعض الناس تبني قصورا فارهة
وسط مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية
فهذا نوع من البذخ والمبالغة ناهيك عن تبوير تلك
الأراضي وتقليل رقعتها الزراعية.
أيضا أحيلك إلى ما هو أدهى من ذلك أذا وقفت
على قارعة الطريق يوما لترى أسطولا ً من
العربات المحملة بالأدوات الكهربائية وقطع الأثاث والمفروشات فلا تتعجب فهذا موكب أحداهن التي
تنقل اغراضها إلى بيت الزوجية والذي تظن أنه
مستقر الحياة الأبدية كما عند الفراعنة القدماء
وهي لا تعلم المسكينة أن كل هذه الأموال
التي أنفقت لا تطيل عمر الحياة الزوجية
يوما واحدا بل ربما تكون نهايتها محاكم الأسرة
عند اول مشكلة تقابلها مع زوجها.
حتي الديِن وصلت إليه المبالغة للأسف
فأما ترى عابدا ناسكا يتنقل بين المساجد تاركا
دنياه خلف ظهره يسد ركنا ويقصر في أركان
يعبد شيخاً فيحب من يحبه ويعادي من يعاديه
بل ربما قدم قول شيخه على قول والله ورسوله صل الله عليه وسلم فإنجرف بذلك خلف الهوى فتتلقفه الشبهات لترمي به في أحضان فكر عفن فيبدأ في تبديع
البعض ثم ما يلبث أن يكفرهم ويخرج من خالفه
من الملة كلياً.
أيضاً يراود الكثير من أهالي الريف حلم الثراء السريع
فيبحث عن الطريقة التي يصل بها إلى غايته المنشودة
فينظر حواليه فتقع عينه أول ما تقع على تلك القراريط
التى يتقوت منها وتساعده على نققات صغاره فهو بين
أمرين أما أن يبيعها محاولا بذلك إيجاد رأس المال الذي سيغير حياته كما يظن هو ليضعه في مشروع لا يفقه عنه شيئا ودون دراسة جدوى فيكون مصيره الفشل .
وإما أن يقع فريسة سهلة لمن يوهمه أن أرضه بها كنز أثري فإذا به يتسلل خلسة في ظلام الليل لينقب عن سراب وكلما تعمق أكثر في بطنها ظن أنه أقترب من كنزه المزوعوم حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فرجع بخفي حنين يندب حظه .
في كل يوم أعاين فيه تلك المشاهد أقول في نفسي
أين ذهبت الطيبة والحب العفوي الذي يبعد عن
المصلحة أين الأخوة والترابط لدرجة أن غالبية
المشاجرات أصبحت بين الجيران وأغلب القضايا بين الأقارب والأصدقاء.
حتى عوقب أهل الريف بنزع البركة وانطبق عليهم المثل العامي الدارج كمن رقص على السلم فلا رآه من في
الأعلى ولا أهتم له من الأسفل فلا هم ظلوا علي طبيعتهم الريفية ولا هم بلغوا المدن إنما أصبحوا بينَ بين فحقا إنه ريفٌ متمدين..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى