عصام متولي يكتب .. بركة يا جامع

اليوم الثامن
كنت ولا زلت من أول المؤيدين للإجراءات الاحترازية منذ بداية تفشي وباء كوفيد 19 وحتى الآن وكان أول إجراء أحزن جموع المسلمين على مستوى العالم هو إغلاق الحرمين الشريفين أمام المعتمرين من خارج المملكة، ثم إغلاقهما نهائيا أمام جموع المصلين مع استمرار إقامة الصلاة بالإمام وأفراد الأمن والعاملين بالحرمين، وعلى الرغم من صعوبة استيعاب الأمر إلا أننا أشدنا بالقرار فعلا حتى لا يصبح الحرمان الشريفان مفرخة لتفشي الفيروس لامتلائهما طوال العام بملايين المعتمرين والحجاج والزائرين من كل فج عميق.
وعندما بدأت الإجراءات الاحترازية في مصر بمنع أي تجمع أو تجمهر من أي نوع.. كان من أول هذه الإجراءات إغلاق دور العبادة أمام المصلين، ووقتها قلنا (آمين) حتى تزول الغمة، فالحفاظ على الأرواح له الأولوية في كل الأديان، لكن مع مرور الوقت وجدنا أن معظم الإجراءات الاحترازية تطبق شكليا فقط وبدأت تلك الإجراءات تتساقط إجراءً تلو الآخر.
فنجد تجمعات أمام البنوك والبريد وفي الأسواق الشعبية وقطارات السكة الحديد ومترو الأنفاق، حتى حظر التجوال أصبح شكلياً في العديد من المناطق، فالناس تتعامل بشكل طبيعي في الشوارع الجانبية وكأنهم يحتفلون بالحظر.
بل أن هناك من فتح بيته كمقهى لأصحابه وجيرانه ومعارفه حتى مطلع الفجر شيشة وطاولة وجميع المشروبات المشروعة وغير المشروعة.
لم يتوقف تصوير المسلسلات كما حدث في جميع أنحاء العالم، ومن الطريف أن هناك مساجد قد تم فتحها لتصوير مشاهد من تلك المسلسلات، ونجد ممثل أدمن استفزاز المصريين يقوم بتصوير نفسه صورة جماعية وسط فريق عمل مسلسله بالكامل في تحد لكافة الإجراءات الاحترازية التي أعلنتها الدولة.
ومما يثير الدهشة أن نجد أكثر الإجراءات الاحترازية التي تم تطبيقها بمنتهى الحماس والحزم كان قرار إغلاق المساجد.
وكل يوم نجد ردة فعل عنيفة وتصريحات متشددة من السيد وزير الأوقاف تجاه أية اقتراحات من شأنها أن تشعر المسلمين بالطمئنينة بأن مساجدهم لا تزال تنبض بالحياة.
حتى أن مقترح بإقامة صلاة التراويح في المساجد دون مصلين بالإمام وعامل المسجد فقط لاقى رفضاً غير مبرراً من سيادة الوزير، حتى أنه أقال المتحدث الرسمي للوزارة لمجرد رده على هذا الاقتراح بأن الوزارة سوف تقوم بدراسته.
حتى مقترح إذاعة القرآن من مآذن المساجد مرفوضة، إذاعة تواشيح الفجر مرفوضة، الزينة والأضواء على واجهات المساجد التي توضع احتفالا بالشهر الكريم مرفوضة.
كلها أمور لا تخل بتاتاً بأية إجراءات احترازية ضد فيروس كورونا، إلا إن كان السيد الوزير قد استشار بعض الراسخين في العلم والذين افتوه بأن الفايروس ينتقل عبر الأثير من خلال أصوات المآذن أو يُشع من خلال الأضواء التي تزين المساجد.
ونحن هنا إذ نؤكد على احترامنا الكامل لكافة الإجراءات الاحترازية التى تتبعها الدولة للحد من تفشي الفايروس فإننا في نفس الوقت نستشعر أن السيد وزير الأوقاف أصبح يزايد على جهود الدولة التي مدت الحظر لمدة أسبوعان إلا أنه قام (منفردا) بمد حظر إقامة الشعائر بالمساجد إلى أخر شهر رمضان المعظم، الأمر الذي أثار حفيظة المصريين جميعا وكأن لسان حاله يردد المثل المصري الشهير.. (بركة يا جامع إنها جاءت منك).
ونحن ننتظر من وزير الأوقاف أن يحترم عقول المصريين ومشاعرهم أيضا وأن يجد مبررا مقنعا لمواقفه الغريبة والغير مفهومة بخلاف ما يزعمه من تطبيق الإجراءات الاحترازية.
وفي النهاية لا يسعنا إلا أن نتوجه بالدعاء للمولى عز وجل أن يوفق السيد وزير الأوقاف ويهديه إلى الرأي السديد، وأن يزيل بحوله وقوته هذه الغمة عن العالم أجمع.