قصة قصيرة.. .” المهجر” للكاتبة “نهي علي”
قصة قصيرة.. ." المهجر" للكاتبة "نهي علي"

اليوم الثامن/القاهرة
وبينما كان بوسيدون جالسا داخل بستان الشعاب يتنزه بمفرده وحاشيته بالخارج تقوم بحراسه الإمبراطور المُهيب .. إذا به يجد رسالة خفية ملفوفه بشريط فيروزى اللون . موضوعة داخل صندوق صدفى بديع الشكل بين يديه فإبتسم إبتسامة صافية وراح يتشمم عطر الرسالة .. ثم هز رأسه وقام بفتحها وإذا به يجد صورتها داخل الورقة المائية .. ينظر إليه فى إشتياق وإفتقاد شديد وعلى فمها إبتسامة حلوة تؤسره ..شاهد الدموع داخل عينيها الفواره التى طالما فارت بمشاعر كثيرة كلها متناقضة تظهر فى نفس اللحظة وهذا ما جعلها متميزة فى أحاسيسها الصادقة .
وهى تقول فى السطور المتحركة :
عزيزى / بوسيدون وصلت بحمد لله لأرض المهجر الذى سافرت إليه منذ فترة . وهذة أولى رسائلى إليك كما وعدتك .. إشتقت لك كثيرا فوق ما تتصور .. كم أود رؤياك مجددا والإسهاب لك ولأمواجك الغالية ،، الجلوس أمامك كى أتلمس رائحتك .
حقا إشتقت يا صديقى وكاتم أسرارى
أنا هنا فى هذة الديار البعيده أحاول أن أعيش .. بل أتعايش بكل الواقع الملموس .. أنساق لحديث العقل ..بدأت أنصت وأهدأ وهو يفسر لى كل الحقائق .. أما عن قلبى فهو أيضا معى هنا فى المهجر يحاول أن يجد ملاذا يريحه .. تراه أحيانا يبتسم ويشغل ذاته بمشاعر كثيرة لكل من حوله كى يبتعد عما يزعجه منذ سنوات .. وتاره تجده يجلس وحيدا كالطفل الصغير الذى فقد أبويه شاعرا باليتم والضعف وربما الإنكسار .. يأتى إلى مهرولا ناظرا إلى ودمعه ينساب أن أحتويه فى أوقات هشاشه مشاعره وضعفه البشرى ،، أقاومه مرة وأحتضنه بقوة لنبكى أنا وهو سويا … كلانا متعب يا صديقى .. كلانا متعب .
وفى النهاية ليس لى شكوى إلا لله العلى القدير أن يرفق بحال هذا القلب البائس .ويجعله يتجاوز ألامه وأوجاعه .
أطلق بوسيدون تنهيدة كبيرة وترقرق الدمع داخل عيناه الجسوره لكنه كتمها وهو يطالع بقية السطور التى تتحرك على غير هدى وكأنها تخبره أن ما فيها موجع وثقيل .
وحدث السطور قائلا :
أميرتى الصغيرة .. الحالمة البائسة
وماذا عن روحك وما فيها ؟؟
أحدثت الورقه صوتا خافتا كأنه يئن وإذا بالسطور تحيط بهاله حول وجهها المتراقص داخل الصفحة والعبرات التى تنحدر من أعالى جبال المشاعر كالشلال الغزير .
وقالت :
روحى .. مازلت عالقة فى عالم بعيد ..أسيره والعجيب أنها تتقلب على جمر أسرها بين الرضا والعشق ..بين الثورة والسكون … بين التمرد والخنوع … روحى قررت البعد ..فردت أشرعه التخلى والرفض ..أبحرت بزورق الكبرياء وربما الشراسه المزعومة .. داخل بحر التناسى والذهاب لذاك العالم البعيد .
أنا هنا فى المهجر الداخلى .. أحيا بجسدى لكل ما حولى أضحك .. أتحدث …أفكر … أكتب .. أثرثر مثل المخمور الذى يطلب من الساقى أن يزيده خمرا كى يثمل حتى ينسى لكن كلما ثمل ما زاده الخمر إلا وجعا وتذكرا .. ألما وحنينا .
وهنا سمع بوسيدون صوت البكاء الخفى للورقه فإنهمرت دموعه الزرقاء تبلل لحيته لكنه حاول التماسك … حتى لا يشاهده أحدا من الحراس وراح يكمل وهى تقول :
لكن الروح لا يا صديقى .. الروح مازلت هناك عالقه وياويلى ولى الله يرفق بحالها .
أريد الحضور إليك فى أقرب فرصة
أريد الإرتماء فى صدرك بوسيدون
أريد الصراخ بصوت عال لن يفهمه بعد الله عز وجل أولا وأخيرا سواك أنت ..
أحبك يا صديقى وحبيبى …
إرسل سلامى للأمواج حبيباتى وأيضا للجبال الشامخة .. وتلك الصخرة القاسية الموجودة فى حضن الجبل .. أنا لازلت أحبها يا بوسيدون رغم كل شىء .. لازلت أحبها والله يشهد على ما فى روحى .
ولنا رسائل أخرى أخبرك بها عن أحوالى فى المهجر .
إرتسمت إبتسامة صغيرة شجينة على ثغر بوسيدون
ثم غادر بستان الشعاب مع حراسه بصمت
أما هى فكانت تتعايش مع كل شىء فى المهجر .. تحاول المضى دون الرجوع عن أى شىء أخذته وقررت أن تفعله.
وفى يوم من الأيام .وبينما كانت جالسة مع رفاقها .. الوحدة والسطور
الخيال .. والذكريات وفجأة تراءى لها صورة الجبل الذى يحتضن الصخرة القاسية وشيئا داخل أعماقها صوت تعرفه يغزو أحاسسها يقول .
هيا إذهبى الجبل أخرج الصخرة القاسية من جوفه وأحضرها إلى هنا فى ديار المهجر ..سارت مثلك وحيده .. هيا لتشاهديها من بعيد
شاهدى ماذا ستفعل وحدها فى أرض المهجر .
ذهبت بالفعل وجدت الصخرة القاسية راسيه فى مكان ما تنظر حولها بحيرة وفى وسط الصخرة شاهدت وجها منحوتا بدقه … وجه تعرفه بعنايه داخل الصخرة .. لم تقوى على منع شهقتها .. ولا طيور الخوف واللهفة داخل قلبها المتخبط
كانت تقدم خطوة وتؤخر الأخرى .. لكنها فى النهاية ذهبت وأصبحت مواجهه للصخرة التى دائما نعتتها بالقاسية لصلابتها وتماسكها وعدم تأثرها بأى شعور ولا حنين لأى شيىء يحرك الأعماق .
أسجمت عينيها بالدموع الناطقة .. وتنهيدة تغرز ضلوعها وهى تمد كفيَها المرتعشان ناحية الوجه المنحوت .. كانت تتلمسه بحنو وإشتياق روحانى عجيب .. وكأن الحجر لمجرد نحته لوجهه كان له عندها مكانة وتقدير .. تنفست بقوة .. قبل أن تتجرع جرعة شجاعه على دفعه واحدة وإحتضنت الصخرة والوجه بقوة وأشواق بحجم الهواء
وهى تغمض عينيها فى خجل وتمنى وعشق لكنها شهقت فى دهشه غريبه لما فتحت عينيها وشاهدته أمامها
إنه هو .. نعم هو
هز رأسه بحنان وهو يقترب منها ليمسح بلمسه كل أحزانها .. اللحظة التى تحررت فيها الروح وعادت من بلادها البعيده .. تاركه ما لها وما عليها .. حتى تحتضن تلك اللحظة
اللحظة التى تساوى دهرا عاشته أو ستعيشه .. وبعد طيلة غياب
سمعت صوته .. سمعت الحياة مجددا داخلها
لأن صوته باختصار … كان الحياه
وهو يناديها بكل ما تمنت سماعه منه وقسوة صخرته كانت تأبى أن تقول وتعلن .. تصدر الرفض والصد دوما .
ها هى الصخرة تحطمت .
والأكثر من ذلك هى الان بين ذراعيه .
وهنا سمعت صوت ضحكات مجلجله ورذاذ أمواج بوسيدون تغمرهما معا
وكأنه يحتضنهما هو الأخر بقوة
ثم نظرا إلى السماء وفى نفسه شكر وتضرع لله وحده أنه جعله سببا كى يغير الله ويبدل الحال
وهى فى المهجر .
تمت ………
نهى على

