كريم الشاذلى يكتب: أ”أين أنت ياصلاح الدين”
كريم الشاذلى يكتب: أفيون..إسمه"أين أنت ياصلاح الدين"

اليوم الثامن/القاهرة
مع كل كبوة تسقط فيها هذه الأمة، ينبري كتابها ومفكريها ومشايخها، لا سيما الإسلاميين منهم ليهتفوا بعودة صلاح الدين.
مذ سقطت الخلافة العثمانية والعيش في قصص البطولات الإسلامية جزء لا يتجزأ من ثقافة القوم، يحاولون من خلالها إعادة الثقة مرة أخرى لشبابهم.
حتى اتسع الأمر منهم، وباتت هذه القصص جزء من المخدرات التي يتناولها الناس، وتخفف من بؤسهم، وتساعدهم على تجاوز محنتهم، والتعايش معها.
تخيل معي أن أمة توقف مد الاجتهاد فيها منذ أكثر من ألف عام تتسلى بالقصص والحكايات.
وغالب مفكريها ومشايخها يستعيضون عن مواجهة بؤس واقعهم برواية الحواديت.
حتى أنني أتذكر داعية مشهور له أتباع بالملايين كان يقدم في شهر رمضان حلقات عن الثبات والابتلاء، غير أنه لم ينبث ببنت شفة عندما تمت جريمة قتل جماعية تبعد عن داره كيلومترات بسيطة.
الحواديت تعجب الناس، وصرخة (القدس تصرخ فأين صلاح الدين) محببة وجميلة وترسخ لشعور المظلومية، وتجلب ملايين المشاهدين، والمتابعين، والإعجابات.
وأكبر جريمة يتم ارتكابها في حق هؤلاء الناس هو تكريس نغمة المظلومية لديهم، وإشعارهم دائماً أن الأزمة في شيئين، إما الغرب الحاقد، والماسونية العالمية، والصهيونية المتحكمة، وإما في خلل عقيدتهم، وضعف إيمانهم، وركاكة مبدأهم.
ولا يصرخ أحد بالأسباب الحقيقية، والتي يأتي على رأسها خيانة النخبة لمبادئها، والاشتباك في معارك تافهة عوضاً عن خوض المعركة الحقيقية، والاجتهاد فيما تجمد من فكرنا بدلاً من الدندنة حوله.
هذا الذي يصرخ ويدعي أن صلاح الدين قد تأخر، هل هو من الغباء بمكان كي لا يرى كل يوم من هو أفضل من صلاح الدين غير أنه مقيد بسلاسل فكره الجامد، وغارق في معارك جانبية تحيط به وتؤخر صعوده، والتي يأتي على رأسها جملة المعارك التي صنعها له هذا الشيخ.
صلاح الدين هذا لم يكن بطلاً بسبب تدينه وشجاعته، تلك أمور سيفصل فيها الله يوم القيامة، بل كان قائداً لأن معه رجال، معه جيش وسلاح، معه ما يجعله قادر على الانتصار.
وهل صلاح الدين يا قوم أشجع من علي بن أبي طالب .. لا والله.
غير أن على حينما تولى القيادة لم ينتصر، رغم أنه أشجع من صلاح الدين، وأكثر منه فهماً وفقهاً للدين، ويكفيه نسبه وصحبته لسيد البشر.
غير أن علياً كان محاطاً بأشباه الرجال، هل تريد دليلاً على كلامي، حسناً هذا قول علي لمن حوله ذات يومٍ كئيب: “يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلَا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ، مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً، قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ أَبُوهُمْ، وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ”
ثم وهو يقول: “فَيَا عَجَباً ..عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً”
أعلم أنك ستراوغ، ستقول لي أنها منسوبة إلى الرجل وأني لا أملك ما أثبت به يقيناً أنه قالها، وهنا سأحيلك إلى التاريخ لتقرأ عن معاركه التي خُذل فيها، وأزمته مع أشباه الرجال الذين كانوا محيطين به.
أعود لكلامي وأقول أننا بحاجة لنقص على الناس حكاية علي بن أبي طالب لا حكاية صلاح الدين الأيوبي، لسبب مهم، وهو أننا خسرنا معاركنا لا بسبب شح الأرحام عن الإتيان بصلاح دين جديد، وإنما بسبب شحنا عن نصرة الحق، والدفاع عنه.
قبل قليل كتبت على حسابي بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” أنني سأتوقف لبعض الوقت عن بث حلقات مسجلة لأن المتابعين لا يتفاعلون معها بإيجابية.
فماذا كان رد الناس، كانت غالب ردودهم أنني يئست، وانكسرت، وانشغلت بمتابعة الأرقام عن الانشغال بتوصيل رسالتي.
هؤلاء الذين يرون أن ما أقدمه حقاً لم يدعموا ما يؤمنون به ولو بضغطة على زر “الإعجاب” غير أنهم يحاسبونني على إحباطي منهم.
حسناً، ليخبرهم أحدكم عن السبب الذي دعا يونس لهجرة قومه .. اليأس من عدم دعمهم للحق.
ويخبرهم عن السبب الذي دفع بموسى أن يلقي بألواح ربه على الأرض ويستشيط غضباً .. إنه اليأس من تحول الناس عن الحق.
ويصرخ فيهم أحدكم ـ رجاء ـ عن السبب الذي دفع النبي محمد كي يرفع بصره إلى السماء لينقل لها حيرته ( إن لم يكن بك غضب لي فلا أبالي) .. إنه تعجبه من موقف الناس من الحق.
الموضوع ببساطة أن الناس لا تحتاج إلى بطل أسطوري، إنها تحتاج إلى أن تتحرك لتربي أبطالها بأيديها، ولا تذبحهم في معبد الانهزامية الذي صنعوه لأنفسهم.
تربية تقوم على تعليم الفكر الحر، والنظر إلى الإرث الجامد، والاشتباك مع الحياة..
تربية لا تقوم على خلع الأبطال من سياقهم التاريخي، واستيراد قصصهم منقوصة، وحكايتها لهم قبل النوم.
نوم هذه الأمة مستحيل أن يستمر كل هذا الوقت مالم يقم عليه رجل يحكي الحواديت المسلية، ويشعرهم أنهم بذنوبهم من جهة وشح أرحامهم من جهة أخرى سبب البلاء..
سيستمرون في نومهم لا غرو ..
سينادون في كل محنة عن صلاح الدين وقطز ونور الدين ..
غير أن لا أحد سينادي على علي..
لأن علي يحتاج إلى رجال..
كريم الشاذلي
