كريم الشاذلي يكتب:تؤام الروح…المخلوقة بنص روح
كريم الشاذلي يكتب:تؤام الروح...المخلوقة بنص روح
اليوم الثامن
تؤام الروح…المخلوقة بنص روح
كانت عصبية كحال كل الأمهات وعندما كنت أغضب منها كانت تقول لي جدتي: معلش يا ابني أصلها كانت توأم فمخلوقة بنص روح!.
أسموها هناء، وعندما توفت توأمها بعد أيام من ولادتهاقالت أمها فلنسمها “غنى” أغنانا الله بها عن شقيقتها الراحلة.
درست في معهد تمريض، وعملت في السبعينيات في مشفى قريتها، تزوجت ووقفت كتفا بكتف بجوار زوجها، مدبرة منزل قادرة على إدارة ميزانية دولة معدومة الموارد، تملك قدرة مذهلة على خلق الرفاهية من العدم، وبث الأمان في أفراد عائلتها مهما ضربت الأمواج سفينة بيتها، لا مد قادر على افقادها توازنها ولا جزر.
وعيت عليها وبيتها قبلة لأبناء قريتها، ثلاجة بيتها مليئة بالأدوية، صالة منزلها دائما مكتظة بالمرضى الذين لم يجدوا إلا باب بيتها في قرية تفتقد للرعاية الصحية.. وسرير أبنائها دائما ملطخ بدماء فلاحين وفلاحات قريتها الذين جاؤها في منتصف الليل محمولين على أذرع أقاربهم ملهوفين لمغيث.. وكانت دائما عند حسن ظنهم.
أذكر جيدا وأنا طفل صغير كيف كانت توقظني من النوم في ليل الشتاء القارص وتمضي بي في الشوارع المظلمة لأصحبها إلى منزل فلان أو فلانة لتخيط جرحا أو تعطي رأيا طبيا، ثم وهي تهرع للهاتف وتطلب الأسطى جمال كي يحمل المريض لمستشفى المدينة لأن الحالة خطيرة.
عقود مرت وهي تخدم الناس لا تطلب أجرا ولا ثمن.
أداعبها بأن مقعدها في مجلس الشعب مضمون لها بمحبة الغلابة واشتياقهم لرد الجميل، فكانت ترد بجدية: التمن هيرجعلي في عيالي.. وانت فاكر ربنا زيكم هينسى والا ينكر – حاشاه- كله مكتوب موثق مضمون.
كانت تجارتها رابحة يقينا، ترجمها ربها في رصيد من الستر أحاط بأسرتها الصغيرة، وكنز من التوفيق والسداد عاشه كل من كان في دائرتها.
قبل أيام زارتني في بيتي لتقول لي بعد كثير لف ودوران رسالتها التي أتت من أجل إبلاغي بها: أنا شيفاك مقصر مع مراتك وعيالك وملهي في شغلك ودايما سفر وشغل، يا ابني أكل العيش مش أهم من إنك تعيش وتبسط اللي حواليك.
أكملت عامها الستين، وبدأ الزمن في نحت أحداثه على وجهها.
ادعوا لها بدوام الصحة والبركة.
وكل سنة وانت عظيمة يا أمي..
اليوم الثامن
