كريم الشاذلي يكتب:حوار مع صديق…وأسرار الزواج السعيد
كريم الشاذلي يكتب:حوار مع صديق…وأسرار الزواج السعيد

اليوم الثامن/ القاهرة
لم يقرأ صديقي الحاج عبدالغني أي كتاب عن الزواج، ومع ذلك يؤكد الرجل ذو الثلاثة وستون عاماً أن المعرفة أهم ركن من أركان الزواج السعيد!.
ورغم أن صاحبي يثمن كثيراً ما أقوم به، ويحرص دائماً أن يقتني النسخة الأولى من كتبي للذكرى، إلا أنه لا يفتأ يلومني على قِصر نظري، وكيف لا وأنا لم أدون شيئاً مما يقوله لي في جلساتنا، أو أنشره للناس!.
يرى الرجل أن المعرفة لا تسكن فقط بين صفحات الكتب، وأن التجربة العملية أهم بكثير، ذلك أن وجع التجربة، وجهد التصويب، وحلاوة النجاح، يجعلون النصيحة أكثر عمقاً وفائدة.
وعليه قررت أن أسمع منه حكمة أكثر من أربعين عاماً من الزواج، مشكلة الاستطراد كانت معضلتي في التعامل معه، خصوصاً وأنه لا يصمت عندما يتحدث عن الزواج، هذا رجل قادر على الحديث حتى قيام الساعة!.
لذا قررت أن أتوجه له بخمس أسئلة مغلقة وحاولت قدر استطاعتي أن أسجل أهم ما قاله في الرد عليها.
السؤال الأول: هل ترى بأن الزواج مباراة مصارعة، يحاول كلا من الطرفين أن يربحها كي يُمضي أسلوبه على الطرف الآخر؟
بعد انقضاء ما تسمونه “شهر العسل”، يكون الأمر كذلك، لقد اختفى الوهج الذي كان يعمي الأعين، وصار كل واحد منهم في مواجهة إنسان ليس بكامل ولا مثالي، وعليه يحاول كل طرف أن يفرض على الآخر أسلوبه وطبيعته، شخصياً أرى أنه شيء طبيعي وصحي، نحن نتعرف على بعضنا بشكل حقيقي لأول مرة بعدما أضعنا فترة الخطوبة في “الدباديب” والمكالمات الغرامية، لو أسميناها مباراة مصارعة، فاسمح لي أن أخبرك أن المرأة أقوى بكثير من الرجل في هذا الأمر، خصوصاً لو أدركت السر!.
سر فوز المرأة في مباراتها مع الرجل، وضمان سعادتها، أن ترسخ لديه أنه قد فاز بالضربة القاضية، بينما تركز هي على الفوز بمجموع النقاط، هكذا كانت تفعل المرأة قبل عصر الإنترنت، تُحكم سيطرتها الكاملة على الرجل، تستخدم سلاح النفس الطويل، لا تتعجل قطف الثمرة، موهبتها الحقيقية ليست في توجيه الضربات، وإنما في تفاديها، نحن الرجال سنتشدق بأننا المتحكمين في الأمر، مع قناعة داخلية أن لا شيء يمكن أن يمضي إلا بختم الموافقة والرضا منها!.
صدقني الزوجة الذكية هي التي تفعل ما تريد، وتنال ما تشاء، وتدير الحياة الزوجية برمتها، دون أن تصطدم برجولة زوجها، أو توجه له لكمات قاضية.
السؤال الثاني: يشتكي الرجل من أن المرأة كثيرة الكلام، في كتبي أحاول أن أخبر الرجل بالطريقة الأفضل للاستماع، كيف استطعت خلال أربعين سنة أن تنجح في هذا الأمر؟
بفعل عكس ما تخبر به الناس!، اغفر لي ولكن، مغفل من يفعل ما تقول!، السر في أي حوار زوجي ناجح، هو وجود شخصين، واحد يتحدث والثاني لا يستمع!.
اسمع مني جيداً، المرأة لا تبحث عن أذنك، لا تريد منك أن تحمل كل هذا التركيز والانتباه والمنطق، أقسم لك أن 90% من حواراتنا وطوال أربعة عقود أنهيتها بنجاح دون أن أسمع منها حرفاً، جعبتي كانت دائماً ممتلئة بعبارات مثل: ( ولا يهمك، حقك عليا، عندك حق، طب إيه يرضيكي) المهم أن تقولها بذكاء، وبابتسامة، وبشكل ينم عن تفهمك لشكواها وليس فراغ صبرك!.
حينها ستندهش من النتائج الإيجابية، ومن امتنانها لصبرك، واستماعك، بل ونصائحك النيرة!.
السؤال الثالث: بصراحة، متى بدأت في تناول “الفياجرا”؟!
أعلم أن جل شباب هذه الأيام يتناولون المنشطات الجنسية، مشكلتهم أنهم لم يدركوا المغزى الحقيقي للجنس، الرجل الشرقي منا يظن أن الفراش مكان اختبار لفحولته، لا يعلم المسكين أن الأمر لا يحتاج لكل هذا التوتر والتحفز، الجنس عملية تجري في الدماغ أولاً!.
معظمكم يُحضر ما بين فخذيه وينسى ما بين أذنيه!، ينسى انتباهه لها، لاحتياجاتها، ينسى لسانه فلا يتحدث، ينسى مشاعرها فلا يهمس، ينسى النكتة، والهمسة، والمشاكسة، ينسى أهم شيء في العملية، الاحتضان، صدقني “جنس يعني .. حضن!!!”.
السؤال الرابع: من الذي يجب أن يبدأ بالصلح وقت الخصام؟
هذا سؤال تافه، لا ينم إلا على المستوى المتدهور الذي وصلتم إليه!.
في التعامل بين الزوجين الناضجين، يتسابق كل طرف على التضحية، وليس على لعب دور الضحية.
في الزواج الذي يتعاهد أصحابه على المضي قدماً يمكن أن يبدأ بالصلح الطرف صاحب الحق، فيكسب نقطة في صندوقه، ويجبر الطرف الآخر على السعي كي يكسب نقطة هو الآخر عبر مزيد من العطاء والتضحية، يكون التسارع بينهما ليس في إثبات من الأقوى، ولا في من سيستمر على موقفه لمدة أطول، بل على من يثبت لنفسه ولشريكه أنه الأحرص على تنقية الأجواء، وضمان استمرار الهدوء والسعادة.
السؤال الخامس: كيف نحافظ على الحب حياً، خصوصاً في ظروف معقدة تختلف عن ظروفكم؟
تتحدث وكأننا كنا نعيش في عالم جميل هادئ، أعلم أن زمانكم أشد تعقيداً، لكنه أيضاً مليء بمسببات للسعادة، مشكلة كل جيل أنه يحاول الهروب من مواجهة أزماته بالعيش في ثوب الضحية، وترديد أنه جيل مظلوم تعيس، على كل، إبقاء الحب حياً في زمانكم هذا يحتاج إلى أن تخفضوا سقف توقعاتكم كثيراً، وأن يرضى كل طرف بنصيبه من الحياة، ويحاول الاستمتاع به، سمه الرضا إن شئت، لكني أسميه الواقعية مقابل الشاعرية والمثالية المفرطة التي تتحدثون بها، والتي تسلمكم إلى حالة التردي والنقمة والإحباط، الحياة ليست قصة أطفال ينتصر الأخيار في آخرها، ويتزوج الأمير من الأميرة، الحياة طاحونة تطحن بتروسها الصلبة كل من يتوهم أنها لعبة آمنة!.
منذ اصطدمت مع الحياة ورأيت وجهها القاسي، وأنا ماضٍ في طريقي بمبدأ “الحياة صعبة، فهل لها بديل؟!” وبما أن الإجابة قطعاً لا نصبح مضطرين أن نجعلها أكثر سعادة، وأقل ألماً، وهذا حادث في الزواج، ستقابلنا مشاكل، ومصاعب، وإغراءات، ولكن لا بديل سوى المواجهة، وهذا ليس مثالية، هذا هو الحل الوحيد.
انتهى الحاج عبدالغني من نصائحه، اتفقت مع بعضها، واختلفت مع البعض الآخر، لم أعر انتباهاً هروبه من إجابة بعض الأسئلة والاستعاضة عنها بمجموعة نصائح يرى بأنها أهم مما سألت، فهل يا ترى ما قاله الرجل يصلح “روشتة” لزواج سعيد، على الرغم من أن كاتبها ينتمي لجيل سابق قد لا يشعر بكل جوانب حياتنا وتفاصيلها؟
