
اليوم الثامن/القاهرة
.هل توصلت لحل في مُعضلة الليل ؟!!..
مازلت أتذكر حديثك الدائم عندما كنا صغاراََ عن فوائد الحياة الليلية و كيف أنك لا تتحمل النهار و أهل النهار…كنت دوما تخبرني عن أن هناك نوعين من البشر…
نوع ليليّ و نوع نهاري…
وأن النوعين رغم كونهما بشر إلا أنهما يختلفان في الطباع و التفكير و شكل التركيبة النفسية…أن الكائنات الليلية أقل حدة في ضغوطها…
وللأمانة لم أكن أتخذ كلامك علي محمل الجدية…فلطالما كنت أعتقد أنك مجرد شخصاََ متمرداََ و تبحث عن الاختلاف أيا كان طريقه دون وعي كافِِ أو تحمل للمسؤلية فتختار الأسهل و تضعه في قالبِِ درامي مبالغ فيه لتبرر اختيارك الواهي أمام نفسك و أمام المجتمع…
مرت سنين طويلة يا صديقي علي هذا الحديث…أعتقد الآن أنك كنت علي حق…يجوز دون أن تدري…
لقد أمضيت عمري في الحياة النهارية…أكافح…أجتهد…أغتنم الفرص…أسافر من بلد لآخر…ألهث وراء الدرجات الأعلي من النهار و يزداد الضوء سطوعاََ عاماََ وراء عام…
و كنت أتلقف أخبارك من حين لآخر و أتابع هبوطك لدرجات أعلي من الظلام…
أصدقك القول أنني كنت أشعر بالغيرة من حريتك فأنت تعيش طليقاََ دون رب عمل و دون زوجة و دون أولاد و دون انصياع لعادات و تقاليد المجتمع…و كأنك عثرت علي إكسير سحري للحياة يمنحك الشباب الدائم…حتي ملامحك لم تنصاع لقانون الطبيعة فمازلت علي هيئتك كما تركتك منذ عشرون عاماََ !…لم يأتيك الشيب و لم تمر من طريقك التجاعيد !!…كنت أشعر أيضا بالشماتة لهزائمك في الحياة و أخفيها بداخلي فقد كانت تطمئنني أنني اخترت الاختيار الأصوب و الأكثر حكمة…
و لكن دعني أخبرك عن الكروت التي كانت تخبئها عني الحياة و لم تكشفها سوي في المراحل الأخيرة من اللعبة….
كلانا هُزم يا صديقي…لم يربح أحد منا المعركة و انتصرت الأيام علينا…
أعرف الآن جيداََ أن النهار و الليل ينتهيان لتبادل الأماكن…
الليل يزداد ظُلمة حتي يُنير و النهار يزداد ضوءاََ حتي يُظلم…
لقد كنا نكافح من أجل الوهم…
كانت معضلتك مع الليل وحدتك التي تأكل قلبك ببطء و البرد الذي يأكل عظامك بنفس البطء…
و كنت تظنني أوفر حظاََ لأنني مُحاط بضجيج الأسرة و دفئها…
الآن ذهب العمل و فارقت زوجتي الحياة و تزوج أولادي و رحلوا و نسيوا أمري و هجرني النهار !….
الآن يا صديقي أنا أيضاََ أعيش ليلاََ…
أتحرك بصعوبة حتي أصل من دورة المياه إلي الكرسي الذي لم أُبرحه منذ سنة كاملة….وحدي تماماََ أمام التلفاز لا أظن أنني أفهم شيئا مما يدور علي شاشته و إنما ما آراه مشاهد أخري تماما لشبابنا قديماََ و ليوم زفافي و لضحكات زوجتي و لأولادي في أول يوم دراسي لهم حتي أذهب للنوم دون أن أشعر و أنا جالس مكاني….
و يسقط عني الغطاء في الليالي الباردة…
لم يعيد أحد يا صديقي الغطاء الذي سقط من علي جسدي مكانه…
اليوم علي سبيل التغيير كتبت لك هذا الخطاب لأبلغك بنتيجة المبارة النهائية…
لم يختلف الطريق…لم يكن الأمر يستدعي كل تلك المشاعر الكريهة….و كل ذلك الفراق…و كل ذلك التنافس الأحمق…
لم نكن نحتاج سوي الحب فقط…كلانا كان مخطئاََ…فلا يوجد نهاريون ولا ليْليّون…
جميعنا في نهاية الأمر نمضي وحدنا إلي الليل
