خواطر.اليوم الثامن عبد المنعم هلال يكتب: هل تعرف أين هو الطريق إلي البيت ؟

.اليوم الثامن
لم أستطع أن أتعايش مع عادات ثابتة أو نوع واحد من المزاج يرحل بي إلي حالة ما لأصنع منها أي شيء يشعرني بالنشوة…
دوماََ أتقلب رغماََ عني بين الأماكن و البشر محاولاََ التأقلم مع ما يحيطني لأتمكن من ممارسة التنفس بهدوء و استكمال الطريق…و استكمال الحياة…
ما أن أبدأ في التأقلم حتي تتغير أوضاعي مرة أخري و تنقلب كل أموري رأساََ علي عقب…
ستجدني تواجدت في ذلك المقهي يومياََ لشهور ثم اختفيت و ستجد النادل يخبرك أنه يعرفني جيداََ و سيخبركَ أيضاََ أنني كنت أفضل من ارتادوا المكان و أكثرهم تأثيراََ بابتسامتي الهادئة و حسن تعاملي مع الجميع و سيضيف قائلاََ رغم أنه لم ينطق طوال تلك الشهور سوي كلمات قليلة جداََ إلا أنه مضي في يوم و لم يأتِ مرة أخري !!…
كل من سكنت بجوارهم أو استأجرت منهم منزلاََ سيخبرونكَ نفس كلمات النادل لكنهم جميعاََ لا يعرفون من أنا بالتحديد و من أين أتيت ولا إلي أين ذهبت…و من هذا الشخص الغامض قليل الكلام الذي أجبرنا جميعاََ علي احترامه دون سبب واضح…
من هذا الغريب ؟…
لا أستطيع أن أجزم بأنني أحب أكلة محددة أو مطعم بعينه أو رائحة عطر ما بالأخص أو درجة إضاءة قد اعتدت عليها…فقد اضطررت أن أعيش في الظلام كما اضطررت أن أعيش في الضوء….
هل تحب النوم في نور ساطع أم في إضاءة خافتة ؟ أم هل أطفيء لك الأنوار ؟
لو سألتني هذا السؤال سأفكر قليلاََ لأنني في الحقيقة لا أعرف…قد أخبرك أن تترك إضاءة خافتة فقط كي لا أشعر بأنني في قبر معتم….
لا أريد أن أشعر بالخوف…فأنا طوال الوقت في خوف…خوف لا نهائي و حزن لا نهائي…
لا أشعر بالحنين إلي بيت ما فكل البيوت لم تكن منزلي…منذ أن وُلدت وأنا ضيف…مجرد ضيف لا أملك مكاني…
لا أعرف هل يناسبني النوم علي الأسِّرةُ أم علي الأرائك أم علي حُصْر ؟…
هل أفضل الزحام أم الهدوء ؟…
هل تدفئني الصحبة أم أن في وحدتي الراحة ؟…
كل تلك الأشياء مررت بها و عشتها و تعودت عليها لفترة ثم تبَدَّلَ كل شيء…
واقع الأمر أنها كلها كانت حالات تخص أشخاص آخرين غيري…حالاتهم الثابتة التي عاشوا فيها و تأكدوا منها و أصبحت تُمَثِلَهم….
أما أنا ؟!!…فلطالما كنت مجرد عابر سبيل علي حياتهم أقضي معهم فيها وقتاََ ثم أرحل…
كل ما أنا واثق منه هو أنني هنا…فقط هنا و الآن تحديداََ أجلس علي ذلك الغطاء أفترش الأرض و أكتب تلك الحروف…
لا أثق فيما حدث بالأمس و لا أدري ثمة شيء عما سيحدث غداََ…
أنا لا أنتمي سوي إلي اللحظة الحالية التي أعيشها و إلي ذلك الغطاء الذي أجلس عليه فقط….
أشياء بسيطة جداََ هي التي أتمكن من أن أشير إليها قائلاََ أنني أملكها أو أئتنس بها أو أحبها و أتعلق بها….
ملامح وجهي و معالم جسدي و كل ما أستطيع أن أتحرك به داخل عقلي فلا يفارقني ولا يضيع مني في وسط الترحال الدائم…القليل من الموسيقي و بعض من الكلمات و كثييير كثير جداََ من الذكريات….
أنا فقط أريد أن أعود إلي بيتي…هل تعرف أين هو الطريق إلي البيت ؟
