مقالات وتحقيقات

رؤوف قنش يكتب : معذرة ميرفت .. لم أجد إجابة لسؤالك

اليوم الثامن

كنت أتابع مسلسل على شاشة التلفاز وكانت تجلس بجوارى زوجتى وإبنتى الصغيرة وبعد دقائق معدودة هلت علينا الإعلانات كالعادة فأخذنا الفضول لمتابعة إعلان ونسميه ( إعلان لفت الإنتباه ) لما فيه من صور جذابة لمبانى رائعة وحمامات سباحة وأشجار ونخيل وشوارع باريسية ومعالم فى منتهى الجاذبية رأينا مشهد أو إعلان إستحق أن نتحدث عنه ويأخذ منا وقت فى إستعراض وجهات النظر المتباينة ، لا أخفى عليكم إندهشنا بالمنظر والحمد لله لأننا لانراه فى حياتنا اليوميه ولانشاهده عندما نذهب الى عملنا ولا مدارسنا ولا حتى مساجدنا بل نرى هذه المشاهد الصادمة والمخيبة للآمال بالنسبة للشريحة الأكبر من مجتمعنا من خلال شاشات التلفاز فقط ونبتلعها غصبا برشفة من الماء وكأنها كبسولة وصفها الطبيب فى روشتة تحمل بداخلها العلقم والمرارة .

قالت إبنتى منظر جميل جدا بجد تحفة وكأنها رأت لوحة فنية رسمها ليونالدوا دافينشى ولكنى صدمتها عندما أشرت بأن هذا التابلوه موجود فى مصر وتحديدا فى مدينة العلمين الجديدة ، وجدتها إمتعضت وجحظت عيناها وفتحت فاها وقد رسمت على وجهها علامات كبيرة من التعجب تجاورها علامات إستفهام أيضا كبيرة من هول ما رأت وما سمعت وبعدها نطقت وقالت عبارة عجزت وتلعثمت فى الرد ولم اجد إجابة وافية أو مقنعة لكى أتلوها عليها لتطفى بها نار غيظها ولم يكن ردى مقنعا لى ولا لها ولا لزوجتى وأحسست أننى ارد بعبارات إستهلاكية لم تكن مقنعة قالت والحسرة والكسرة تمتلكها ( المفروض قبل ما نبنى الجديد ويكون بالشكل الخرافى ده كان لازم نرمم القديم الأول ونضع الأموال دى فى الأماكن التى تئن وتبكى الأهمال انا معترضة على هذا العمل الجديد لأننا لم ننتهى بعد من ترميم القديم ) وجدت أن عندها حق فيما تقول وعرضت ووافقتها والدتها الرأى ورأيت أن وجهة نظر إبنتى صحيحة وأيضا صائبة لكونها تمس الواقع المؤلم الذى نعيشه ونكابده ونتألم منه وإحترمت وجهت نظرها والتى غفل عنها المسئولين مع سبق الإصرار والترصد كيف لنا أن نشاهد مبانى خيالية ورقعة خضراء خلابة وكأنها قطعة من الجنة وحمامات سباحة على أعلى مستوى من التقنية الأعلى وهناك من يريد التطوير والإهتمام ولكنه يلقى النفور والإهمال ، وجدت من الصعب على نفسى وأيضا زوجتى أننا لم نجد إجابة وقتية لندلى بها ونطفى لهيب غيظ إبنتى وألم ما شاهدته عبر التلفاز والذى تسبب فى جرح مشاعرها وما كان منها أن تصب جام غضبها على من كان السبب فى خدش خياؤها وأخرين بهذا الشكل .

هذا الإعلان المستفز وإعلانات أخرى كشفت عن عورات وخلل واضح موجود فى مجتمعنا هذه الإعلانات لاتخاطب إلا فئة من الشعب وفئة قليلة جدا أما الفئة الأكبر والشريحة الأعظم خلقت لتشاهد وتتعحب فقط وتلعن حظها العسر الذى جعل من لهم سلطان ونفوذ أن يلفظونا بهذا الشكل ويهتمون بكل جديد ويتنصلون من كل قديم فقبل أن تبحث عن الجديد هناك ماهو قديم ويخدم شريحة عريضة من المجتمع التى تحتاج لتطوير فهناك المستشفيات وما تقدمه من خدمات لم تعد مناسبة على الإطلاق حتى المرضى يفترشون الأرض ويشترون العلاج وعلى الدفتر ، شباب بدون سكن مناسب فارتفع سن الزواج وإرتفع معها سن العنوسة ، طرق أسفلتية وكأننا نسير على مرتفعات وهضاب وجبال ، مدارس أو شبه مدارس كثافة طلابية وأمراض معدية ومناهج بالية وكتب أصابها العطب والفكر العقيم ، وا وا وا وا ، الروتين أصاب الجميع وتملك منا جميعا وأصبح صديقا لنا حتى النظام والأنظمة السابقة إتخذته صديقا ملازما وعجزت العقول على تدميره وتحطيمه ولهذا يبحثون عن الجديد من مبانى وطرق وحمامات سباحة ومناطق خضراء لاتناسبنا والقديم ( يغنى ظلموه ) ليس عيبا متأصلا فى النظام الحاكم الحالى ولكنه عيبا موجودا ومتأصلا فى الأنظمة السابقة والمتعاقبة إهتموا بإنشاء الجديد الذى لا يناسبنا وأغفلوا عن تطوير القديم الذى يسكن فينا ونسكن فيه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى