مصطفي التوني يكتب … من ذكريات المساجد

اليوم الثامن
منذ غلق المساجد، وما بين اشتياق روادها ،والمتعلقين بها تمر الذكريات وكأنها تقول متى العودة، وتهيم النفس شوقا الى سماع تسبيحة راكع او مناجاة ساجد، وما يجول بخاطري الآن وتهفو نفسي إليه ذاك الرجل الذى لا تفارقني جملة قالها في إحدى الصلوات قبل غلق المساجد فبينما نحن في الصف لأداء صلاة الفجر وكان بجواري رجل من أحبابنا المسنين فهم دائما من يتقدمون الصفوف في صلاة الفجر، وأثناء سجودنا أطلق هذا الرجل دعوة ُصوبت إلى قلبي كأنها رصاصة كادت أن تنتزعه من مكانه من صدقها خرجت بنبرة صوت يملأها الشجون وتحيط بها الهموم لدرجة تشعرك كم الذل والانكسار لله، والتسليم بأن الأمر كله لله واليقين أنه لا أحد يمكن أن يدبر لك أمرك إلا الله “يارب دبرها من عندك” كثيراً ما نسمعها ونرددها ،ولكن لأول مرة أسمعها، و أشعر بصدق معانيها وصدق قائلها. راودني فضول غير عادي في التحدث مع هذا الرجل أريد أن أجلس معه أسمع منه ما سر هذه الدعوة ؟ وكيف خرجت بهذه المصداقية التي هزت أركان فؤادي ؟ ولما لم أشعر عمقها وقوتها رغم أني أقولها دائماً؟ أحسست وكأنها رسالة لي أنا شخصيا، انتظرت حتى انتهت الصلاة، وقام هو إلى الصف المؤخر حيث يجلس أقرانه على الكراسي لختم الصلاة وما أن انصرف المصلون وما بقي منهم إلا من يحرص على الجلوس حتى تطلع الشمس وكان هو منهم ؛ ذهبت إليه وألقيت عليه السلام وسألته” كيف حالك ياحج قال بخير ياولدي قلت لقد سمعتك في سجودك تقول دعاء هزني لما شعرت به من صدقك ويقينك فهل لديك من الهم ما يجعلك تنادي ربك بهذا الإحساس الذي يصل إلى القلوب؟ قال:- “يا ولدي ومن منا ليس لديه هموم؟ ومين مرتاح في الدنيا دي ؟ ما هو ربك خلق الراحة وأسكنها الجنة علشان كدة أنا سلمت أمري كله له وحده هو الذي يدبر لي أمري وبقولها دائماً في صلاتي وأنا في الرخاء وأنا في الشدة خلاص يابني كبرنا و أيقنا على مدى السنين إن اللي عايزه هو بس اللي بيكون ، يمكن كنا بنزعل شوية لما اللي بيكون ده مبيجيش على هوانا لكن الأيام بتثبت لنا أنه هو الأصلح وإن ربك مبيجبش حاجة وحشة ” قلت ياحج وكيف يصل مثلي لهذا اليقين ؟ قال “الرضا يابني طول ما أنت هترضى بكل اللي يجيبه ربنا هترتاح وتوكله أمرك وأنت راضٍ مطمئن أنه لن يُحسن لك التدبير أحد غيره سبحانه وتعالى” قلت ربنا يكرمك ياحج. وفي نفسي أقول يمكن دعاءك ده رسالة لي ولكل من يسأل الله أن يدبر له أمره أن يسأل بيقين أن الأمر كله لله، وانه لن ينال العبد منا إلا ما كتبه الله له ،وأن يصاحب هذا اليقين رضا بقضاء الله وقدره. كم نحن بحاجة أن تعود نفوسنا شوقاً إلي الله وبيوت الله كم نحتاج الي هذا الدعاء بهذا اليقين في ظل هذا البلاء الذي حل بالعالم،كم نحتاج إلى تصحيح مسار حياتنا وإعادة حساباتنا مع الملك سبحانه وتعالى. اللهم ردنا اليك والي بيوتك ردا جميلاً و أرفع عنا البلاء والوباء “يارب دبرها من عندك”
