ادب ثقافة

خواطر.اليوم الثامن…عبد المنعم هلال يكتب: رسائل أضاعها… ساعي البريد

خواطر.اليوم الثامن...عبد المنعم هلال يكتب: رسائل أضاعها... ساعي البريد

اليوم الثامن

رسائل أضاعها… ساعي البريد

و إني أفتقدُكِ كما أفتقد الدفء الذي كنت أشعر به و أنا أحيط بذراعي خصر أبي في حديقة بيتنا القديمة، و هو يروي زهرة اللبلاب، التي كانت تحيط بقلوبنا فيما مضي قبل أن يرصفوا الحديقة و يرحل أبي و يموت اللبلاب.

إنني أفتقدك كما أفتقد لعبي أنا و أخي في شرفة بيتنا قديماََ، و ضحكات أختي و هي تتابعنا و يخرج صوت عبدالحليم من مذياع بجوارها ليشدو ( ضي القناديل ).

أفتقدك بشدة مثلما أفتقد حضن أمي و أنا طفل صغير، أتكور بداخله فتضمني لها أكثر و نحن نشاهد ذلك المسلسل العربي في رمضان، ليلاََ منذ أكثر من ثلاثون عاماََ عندما كانت صحتها لاتزال تسمح لها باحتضاني دون أن تتأوه.

.أفتقدك كما أفتقد ذلك الحجر الذي كنا نلعب به ، و كأنه كرة أنا و صديق لي لا أستطيع حتي تذكر ملامحه كاملة في طريق عودتنا من المدرسة، غير منتبهين لحمل الحقيبة الثقيل علي ظهورنا أو للعربات التي تحذرنا بنفيرها أو لما ستنهرني به أمي، من أثر الحجر علي نعل حذائي فقد كان حالنا ضيقاََ ،و إذا تلف الحذاء فكيف سنشتري غيره.

أفتقدك كما أفتقد أصابع كف أبي و هي تحتصن يدي الصغيرة ، في طريقنا لمدرستي و أنا أنظر للشوارع و البشر ،من حولي مبتسماََ و مطمئناََ فمن سيؤذيني و أبي بجواري و أغمض عيني لأسمح بنسمات الهواء الباردة، لتداعب وجهي و يتسلل لأذني صوت أم كلثوم من قهوة ما يشدو ( يا صباح الخير ياللي معانا ).

أفتقدك كما أفتقد إنقباضة قلبي من الفرحة و أنا أري الدراجة التي كنت أتمناها في يدي أبي و لم أكن أعلم وقتها أنه قد تداين من أجل أن يشعرني بتلك الفرحة.

أفتقدك كما أفتقد إحساس إتكاء يدي علي إفريز نافذة الترام ،في طريقي إلي الجامعة و أنظر خارجه متخيلاََ نفسي بعد أن حققت كل أحلامي الشبابية كمراهق أحمق مسكين لا يدري شيئاََ عما تخبئه له الأيام من خيبات كثيرة، لم تتحقق الأحلام و لم يعد هناك ترام !!.

أفتقدك كما أفتقد ضحكاتي أنا و أصدقاء لم يعودوا هنا الآن، عندما كنا نسهر علي نواصي طرقات حينا في شتاء التسعينات ندخن السجائر ولا نبالي فلا صدورنا تؤلمنا ولا يضيق التنفس.

أفتقدك كما أفتقد جنوني الذي تركني بدوره و أصبحت كهلاََ سخيفاََ، أمتهن الرزانة و يكبلني التعقل و يدق قلبي سريعاََ إذا قرر سائق التاكسي أن يزيد من سرعته الآن.

.أفتقدك كافتقادي لكل سنين عمري التي لا أدري أين ولت ولا كيف و متي
؟

الكاتب عبد المنعم هلال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى