غير مصنف

احمد ابو عيشة يكتب:من بلاد الفقر آتي العظماء والي المعالي صعدوا

من بلاد الفقر أتي العظماء

تعتبر ظاهرة الفقر ظاهرة مهمة في تحديد الملامح العامة لأي اقتصاد من اقتصاديات الدول ، فهي ظاهرة لا تخلو أي دولة منها سواءً كانت متقدمة أو نامية ، وهي قضية مألوفة ومتناولة من حيثُ إنها ظاهرة اقتصادية واجتماعية لجميع الشعوب والحضارات .

إن المعاني التي تدّل عليها كلمة الفقر، هي : النقص والحاجة ، وكلاهما يؤديان بالإنسان إلى الذل والانكسار الذي يتسلل للنفس ثم الجريمة وغيرها الكثير .

فنحن هنا سنحاول في إيجاز تناول المشكلة ، وطرح بعض الحلول التي ربما ستساعد في تخفيف هذه المشكلة ، الفقر للإنسان وللشعوب كالمرض ، والغنى بالمال كالصحة ، وهما مقدران من عند الله ، فإذا أراد المؤمن الغنى يسّره الله له ، وإذا أراد الفقر يسره الله له ، وأصل القضاء عند الله لا ينافي جزيئاته ، فقد يكون العبد غنياً عند الله لكن بعد أن يمر بمراحل من فقر وعذاب ، وقد يكون فقيراً بعد أن يمر بمراحل الغنى ، والغنى ليس ممدوحاً لذاته ، والفقر ليس مذموماً لذاته .

فالبشر عموماً والمسلمين خصوصاً يعلمون أن الغنى والفقر بيد الله ، وقد يكون الفقر للإنسان خيراً بعكس الغنى الّذي ربما يكون للإنسان شراً ، لكن اليأس الذي يجثو على صدور بعض الفقراء يدفعهم إلى التفكير بأي وسيلةّ تدرّ عليهم المال ، وعند عدم القدرة على جلب المال يبدأون في التمرد وطرح الكثير من الأسئلة التي يوسوس لهم الشّيطان بها ، ويبدأون في التّخيلات والتحليلات التي لا تحل المشكلة بل تزيدها تعقيداً وصعوبة .

فمن الأمثلة الكثيرة التي تتبعها أسئلة أكثر تدور في خلد أغلب الفقراء حيث الوجوه البائسة والأقدام الحافية والأطفال الذين يصرخون من شدة الجوع ، والرجال الذين بلغوا من الكِبَرِ عتياً ينتظرون من يدق أبوابهم من أجل إعطائهم لقمة العيش ليتابعوا ما تبقى لهم من حياة ، تلك المشاهد التي تتكرر كل يوم ، هل أصبح الفقر قدراً مكتوباً علينا ؟ أم أننا خلقنا فقراء ، ولا نستطيع تغيير ما خلقنا عليه ؟ لماذا ينام الغني على وسادة من ريش ؟ والفقير يحلم بكسرة خبز ؟ كل هذه التساؤلات يطرحها الفقراء الذين يبحثون عن حل لما يمرون به .

ولعلنا نبدأ من تقارير المنظمات الدولية والتي تشير إلى توسع دائرة الفقر وفقاً لمعايير التنمية البشرية حتى شملت مليارا فرد من حجم سكان العالم البالغ حوالي ستة مليارات فرد ، حتى أصبح علة تنهش جسد المجتمع وتتزايد يوماً بعد يوم ، و يعد الجهل من أبرز أسباب الفقر الذي انتشر كمرض خبيث في المجتمعات ، وخاصة مجتمعات العالم الثالث مع زيادة نسبة السكان في الدول التي تعاني من نقص في التغذية، فعند انعدام التعليم يفقد المجتمع الكثير من الأيدي العاملة التي تحل مكانها العمالة الوافدة ، وبما أن هناك مليارا فرد يعانون الجوع فإن هذا الرقم مخيف جداً ، ويوجد حوالي ثلاثة عشر مليون طفل في العالم يموتون سنوياً بعد اليوم الخامس من ميلادهم لسوء التغذية مع صعوبة الحياة التي يعيشونها ، كما أن ضعف الحالة الصحية وإهمالها وعدم الالتفات لها يؤثر كثيراً في الفقر وفقاً لمعايير التنمية البشرية ، ناهيك عن الاستعمار الذي يهدم المجتمعات ويفتت الدولة إلى أشلاء ، كحال الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حيث زادت نسبة الفقر وتحديداُ في قطاع غزة ، كما أن المرض يساهم في الفقر : فالمرض يقعد الشخص عن العمل ، أو يقلل من إنتاجه مما يؤثر على دخله ، وبالتالي على مستوى معيشته بالإضافة إلى أن تكاليف العلاج ترهق ميزانيته وتأخذ كسبه القليل ، وقد يكون هناك عوامل طبيعية تؤدي للفقر ، مثل : الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها .

إن الفروقات بين الأغنياء والفقراء قد أصبحت شديدة الوضوح ، والحقيقة أن المسافات بينهما قد أصبحت أكبر بحيث يزداد الغني غناً والفقير فقراً والغريب في الأمر أن ذلك لا يعني قلة السلع الاستهلاكية ، إذ لم يشهد العالم وفرة في الغذاء كما يشهدها الآن ، ويرجع ذلك إلى التقدم التكنولوجي الكبير الذي يزداد كل يوم ، و الفقر موجود في كل الشعوب ولكن بنسب متفاوتة كأنه من خصائص كل مجتمع ، إلا أن الفرق يبقى في درجة الفقر ونوعية الفقر ونسبة الفقراء من كل مجتمع ولا نستطيع التخلص منه لأنه موجود منذ زمن حتى قال عنه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : ” لو كان الفقر رجلاً لقتلته ” ولكن لم يعد رجلاً بل أصبح امرأةً وطفلاً لأن حالة البؤس التي وصلنا إليها قد شملت الجميع .
إن القضاء على الفقر لا يمكن أن يكون بضربة عصا سحرية ، فالأمر يتطلب اتخاذ تدابير على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمر يتطلب من جميع الحكومات وجميع الناس أن يفكروا ويقرروا ويعملوا معاً لمكافحة الفقر المدقع .

ربما لا نستطيع التخلص منه ولكن يمكن الحد منه من خلال وسائل معينة ألا وهي : أن يكون المواطن صاحب مبادرة من خلال البحث عن مصدر للعيش ولو بشيء بسيط ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب ، فيحملها على ظهره فيبيعها ، خير له من أن يسأل رجلاً ، يعطيه أو يمنعه” . الصدقةُ : تساعد الفقراء ، تزيد الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع ، و تَجبُر ما كان فيه من نقص وخلل ، وعلى كل مواطن النظر بعين الرأفة والرحمة إلى الفقراء داخل موطنه و محاولة التكفل والاهتمام بأسرة فقيرة واحدة ، والعمل على فتح دورات التأهيل والتدريب وتنمية الخبرات وبث روح المنافسة فيهم .

كما يجب على ضمائرنا الصحوة من غفلتها لأن الفقراء عندما لا يملكون دفع الثمن نقدا يضحون بصحتهم التي لا تقدر بثمن ؛ فمن بلاد الفقر أتى العظماء والى المعالي صعدوا .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى